ملحوظة حول ملائكيات
الأبجدية العربية*
رونيه گينون**
يمثَّل العرش المحيط، كما يسهل فهمُه، برسم دائرة، في مركزها الروح، كما شرحنا ذلك في غير مكان[1]؛ والعرش يحمله ثمانية ملائكة يشغلون مواقعهم على محيط الدائرة: الأربعة الأولون عند الجهات الأربع الأصلية، والأربعة الآخرون عند الجهات الأربع الفرعية. وأسماء هؤلاء الملائكة الثمانية مشكَّلة من ثماني مجموعات من الحروف، مأخوذةً [وفق قواعد حساب الجُمَّل][2] تبعًا لترتيب قيمها العددية، بحيث إن جملة هذه الأسماء تضم حروف الأبجدية ككل.
بيد أن المقام هنا يجيز لنا إبداء ملاحظة: المقصودة بطبيعة الحال هي الأبجدية ذات الـ28 حرفًا؛ ولكن يقال إنه لم يكن للأبجدية العربية أولاً غير 22 حرفًا، تقابل بالضبط حروف الأبجدية العبرية؛ ومنه التمييز المعمول به بين الجفر الصغير، الذي لا يستعمل غير هذه الحروف الـ22، وبين الجفر الكبير، الذي يستعمل الحروف الـ28، آخذًا بها جميعًا مع قيم عددية متميزة. ويجوز القول، إلى ذلك، بأن الـ28 (8 + 2 = 10) محتوى في الـ22 (2 + 2 = 4)، مثلما أن الـ10 محتوى في الـ4، تبعًا لصيغة الرابوع Tétraktys الفيثاغورثي الشريف: 1 + 2 + 3 + 4 = 10[3]؛ والواقع أن الحروف الإضافية الستة ليست إلا حروفًا معدلة عن ستة من الحروف الأصلية التي تتشكل منها بمجرد إضافة نقطة وتُرَدُّ إليها فورًا بحذف هذه النقطة عينها. وهذه الحروف الإضافية الستة هي التي تؤلف المجموعتين الأخيرتين من المجموعات الثماني التي تكلمنا عليها لتوِّنا؛ ومن البيِّن أنه لو لم يكن يُنظَر إليها كحروف متميزة، لتبدلتْ هذه المجموعات، إنْ من حيث عددها وإنْ من حيث تأليفها. ومنه، لا بدَّ أن العبور من أبجدية الـ22 حرفًا إلى أبجدية الـ28 حرفًا قد ترافق بالضرورة بتغيير في أسماء الملائكة التي نحن بصددها، وإذن، بتغيير في "الكيانات" التي تشير إليها هذه الأسماء. ولكنْ، مهما بدا ذلك من الغرابة بنظر بعضهم، فمن السوي في الواقع أن يكون الأمر على هذا النحو: إذ إن جميع التعديلات على الأشكال النقلية، وبالأخص منها تلك التي تقع على بنيان ألسنتها الشريفة، لا مناص من أن تكون لها بالفعل "أنماط بدئية" archétypes في العالم السماوي.
أما وقد قيل ما قيل، فإن توزيع الحروف والأسماء هو التالي:
شرقًا |
أبجد[4] |
|
عند الجهات الأصلية |
غربًا |
هوز |
الأربع: |
شمالاً |
حطي |
جنوبًا |
كلمن |
|
شمال شرق |
سعفص |
|
عند الجهات الفرعية |
شمال غرب |
قرشت |
الأربع: |
جنوب شرق |
ثخذ |
جنوب غرب |
ضظغ |
يلاحَظ أن كلاً من هاتين الجملتين ذات الأربعة أسماء يحوي نصف الأبجدية بالضبط، أي 14 حرفًا، موزعةً على التوالي على النحو التالي:
في النصف الأول: 4 + 3 + 3 + 4 = 14
في النصف الثاني: 4 + 4 + 3 + 3 = 14
والقيم العددية للأسماء الثمانية، المشكَّلة من حاصل جمع قيم حروفها، مأخوذةً بالطبع على الترتيب أعلاه نفسه، هي:
[أبجد =] 1 + 2 + 3 + 4 = 10
[هوز =] 5 + 6 + 7 = 18
[حطي =] 8 + 9 + 10 = 27
[كلمن =] 20 + 30 + 40 + 50 = 140
[سعفص =] 60 + 70 + 80 + 90 = 300
[قرشت =] 100 + 200 + 300 + 400 = 1000
[ثخذ =] 500 + 600 + 700 = 1800
[ضظغ =] 800 + 900 + 1000 = 2700
وقيمة كل من الأسماء الثلاثة الأخيرة مساوية على الترتيب لقيمة كل من الأسماء الثلاثة الأولى مضروبةً بـ100؛ وهذا بطبيعة الحال بيِّن إذا لوحظ أن الأسماء الثلاثة الأولى تحوي الآحاد من 1 إلى 10 وأن الثلاثة الأخيرة تحوي المئين من 100 إلى 1000؛ والحروف في كلا المجموعتين موزعة توزيعًا متساويًا إلى 4 + 3 + 3.
قيمة النصف الأول من الأبجدية تساوي حاصل جمع قيم الأسماء الأربعة الأولى: 10 + 18 + 27 + 140 = 195.
بالمثل، فإن قيمة النصف الثاني تساوي حاصل جمع قيم الأسماء الأربعة الأخيرة: 300 + 1000 + 1800 + 2700 = 5800.
وأخيرًا، فإن القيمة الإجمالية للأبجدية ككل تساوي 195 + 5800 = 5995.
العدد 5995 هذا لافت للنظر بتناظره: قسمه الأوسط هو 99، عدد أسماء الله الصفاتية؛ والرقمان على طرفيه يشكلان العدد 55، الذي يساوي حاصل جمع الأعداد العشرة الأولى، حيث ينقسم المثنى إلى نصفيه (5 + 5 = 10)؛ فضلاً عن ذلك، فإن 5 + 5 = 10 و 9 + 9 = 18 هما القيمتان العدديتان للاسمين الأول والثاني.
من الممكن تبيُّن الطريقة التي يتم بها الحصول على العدد 5995 تبينًا أفضل بتوزيع الأبجدية، تبعًا لتقسيم آخر، إلى ثلاث متواليات ذات تسعة حروف، يُزاد عليها حرفٌ مفرد: حاصل جمع الآحاد، من 1 إلى 9، يساوي 45: القيمة العددية لاسم آدم (= 1 + 4 + 40 = 45، أي من منظور المراتب الباطنية: القطب الغوث في المركز، الأوتاد الأربعة عند الجهات الأربع الأصلية، النجباء الأربعون على المحيط[5])؛ حاصل جمع العشرات، من 10 إلى 90، يساوي 45 في 10؛ حاصل جمع المئين، من 100 إلى 900، يساوي 45 في 100؛ أما مجموع حواصل هذه المتواليات الثلاث التساعية فيساوي، إذن، حاصل جداء 45 في111 [= 1 + 10 + 100]، العدد "القطباني" الذي هو عدد حرف الألف [= 1 + 30 + 80 = قطب = 100 + 9 + 2] "مبسوطًا": 45 في 111 يساوي 4995؛ ثم لا بدَّ من إضافة عدد الحرف الأخير، 1000، واحدة الدرجة الرابعة التي تنهي الأبجدية، مثلما تبدؤها واحدة الدرجة الأولى، وبذا نحصل في الآخِر على 5995.
أخيرًا، فإن حاصل جمع أرقام هذا العدد يساوي 5 + 9 + 9 + 5 = 28، أي عدد حروف الأبجدية نفسه، الذي يمثل قيمتها الإجمالية.
بالوسع قطعًا التوسع في المزيد من الاعتبارات انطلاقًا من هذه المعطيات، لكن هذه المؤشرات القليلة كافية للتمكن، على أقل تقدير، من تحصيل لمحة عن بعض تطبيقات علم الحروف وعلم العدد في المنقول الإسلامي.
المترجم عن الفرنسية: ديمتري أڤييرينوس
* Études traditionnelles, VIII-IX, 1938, pp. 324-327 ; repris dans René Guénon, Aperçus sur l’ésotérisme islamique et le Taoïsme, Gallimard, 1973, pp. 62-67.
** فيلسوف فرنسي (1886-1951)، ولد في بلوا (فرنسا) وتوفي بالقاهرة. شُغف بالروحانيات منذ حداثة سنِّه، فدفعه حب الاستطلاع إلى اختبار معظم مدارسها الحديثة، حتى اهتدى أخيرًا إلى تصور متكامل عن وحدة المأثورات "الدينية" الأصيلة في العالم قاطبة، بوصفها تعبيرات متنوعة متفرعة عن "منقول قديم" Tradition Primordiale واحد، فاطمأن إليه وراح، بالتوازي مع حياة باطنية غنية، يكتب فيه المقالات والكتب والرسائل، مؤسِّسًا بذلك لمذهب "نقلي" traditionnaliste مازال أثرُه ساري المفعول حتى يومنا هذا. من مؤلفاته الكثيرة الهامة: الإنسان ومآله بحسب الڤيدنتا، أزمة العالم الحديث، رمزية الصليب، الثالوث الأكبر، لمحات عن المُسارَرة. (المحرِّر)
[1] راجع: رونيه گينون، "الروح"، سماوات: http://samawat.org/articles/ruh_guenon. (المحرِّر)
[2] ما بين معقوفتين […] في النص من إضافة المترجم بغية توضيح المقصود. (المحرِّر)
[3] Cf. René Guénon, « La Tétraktys et le carré de quatre », Études traditionnelles, avril 1937 ; repris dans Symboles de la Science sacrée, Gallimard, 1962, pp. 107-112.
[4] بطبيعة الحال، فإن كلاً من حرفَي الألف والباء، ككل حروف الأبجدية الأخرى، يشغل هنا موقع ترتيبه العددي: وهذا لا يمت بصلة إلى الاعتبارات الرمزية التي عرضنا لها في غير مكان والتي تخص كلاً منهما، فضلاً عن ذلك، بدور آخر أكثر خصوصية. [راجع: "الروح"، سماوات: http://samawat.org/articles/ruh_guenon. (المحرِّر)]
[5] "القطب – وقد يُسمى غوثًا باعتبار التجاء الملهوف إليه –: وهو عبارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان، أعطاه الطلَّسْم الأعظم من لَدُنْه؛ وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد؛ بيده قسطاس الفيض الأعم، وزنُه يتبع علمَه، وعلمُه يتبع علمَ الحق، وعلمُ الحق يتبع الماهيات غير المجعولة؛ فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل. وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس، لا من حيث إنسانيته؛ وحكم جبرائيل فيه كحكم النفس الناطقة في النشأة الإنسانية؛ وحكم ميكائيل فيه كحكم القوة الجاذبة فيها؛ وحكم عزرائيل كحكم القوة الدافعة فيها" (تعريفات الجرجاني)؛ "الأوتاد: هم الرجال الأربعة الذين على منازل الجهات الأربع من العالم، أي الشرق والغرب والشمال والجنوب؛ بهم يحفظ الله – تعالى – تلك الجهات لكونهم محالَّ نظره تعالى" (الكاشاني، اصطلاحات الصوفية)؛ "النجباء: وهم الأربعون المشغولون بحمل أثقال الخلق – وهي من حيث الجملة كل حادث لا تفيء القوة البشرية بحمله –، وذلك لاختصاصهم بموفور الشفقة والرحمة الفطرية، فلا يتصرفون إلا في حق الغير؛ إذ لا مزيد لهم في ترقِّياتهم إلا من هذا الباب" (تعريفات الجرجاني). (المحرِّر)