كل مقالات ديمتري أڤييرينوس

التناغم مع الكون – ديمتري أڤييرينوس

التناغم مع الكون

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

ثمة حرارة واحدة، نَفَس واحد، الأشياء كلها يعطف بعضها على بعض.
~ أبقراط

 

باتت مسألة التناغم قضية ذات أهمية حيوية مصيرية – لا لتحقيق السعادة المأمولة للبشرية الشقية، بل لبقاء النوع البشري أصلاً. فلمَّا كان تناغمنا اليوم مع البيئة ومع سوانا من البشر ومع أنفسنا شديد الاختلال – وهل من أحد يشكك في هذا الواقع الفاضح والمؤلم؟! –، ترانا نتسبب في وقوع أضرار جسيمة على العلاقات المتبادلة، بيننا وبين الطبيعة وفيما بيننا، وعلى تطوُّرنا، نفسيًّا وجسميًّا – حتى إن العديد من المراقبين لا يستبعدون، من جراء تراكُم هذه الأضرار، وقوع كارثة عالمية ماحقة. والضرر الواقع علينا لا يمكن فصله، ولا لحظة واحدة، عن الضرر الواقع على غيرنا – فنحن، فعليًّا، مسؤولون عن الإنسانية ككل، وذلك لأن كل واحد منا مختصَر مكثَّف للنوع البشري بأسره، كما ظل ج. كريشنامورتي يلحُّ مرارًا وتكرارًا.

Continue reading

الحرية واستئناس الرغبة – ديمتري أڤييرينوس

الحرية و”استئناس” الرغبة

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

من التصورات المغلوطة السائدة في زماننا، المولِّدة لمشكلات هائلةِ العواقب، فكرةُ أن الحرية تتوقف على الشروط الخارجية. يخالف هذا التصور منظور الحكمة القديمة، كما تمثلت في تعليم المعلم الناصري الذي أشار إلى أن معرفة الحقيقة هي التي تحرِّر (“تعرفون الحق، والحق يحرركم” – إنجيل يوحنا 8: 32)، وكذلك في حكمة الهند، الأقدم، التي شجعت جميع الناس – حتى غير المثقفين وغير المتعلِّمين منهم – على تقصِّي طبيعة كلٍّ من العبودية (بندها bandha) والانعتاق (مكشا moksha) وعلى الاستفسار عما إذا كان منبع الحرية يوجد في الذات أو خارج الذات. إن هذا الاكتشاف جوهري للبشرية، لكنه ليس مكسبًا من مكاسبها… لماذا؟

Continue reading

الخروج على بنية المجتمع – ج. كريشنامورتي

الخروج على بنية المجتمع*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

حينما يرصد المرء ما يحدث في العالم، الشواش والبلبلة وتوحُّش الإنسان بالإنسان الذي لم يقوَ أي دين أو نظام اجتماعي – أو ربما فوضى اجتماعية! – على الحيلولة دونه، حينما يرصد نشاطات رجال السياسة والاقتصاد والمصلحين الاجتماعيين في العالم أجمع، يرى بأنهم جلبوا المزيد المزيد من البلبلة، المزيد المزيد من البؤس. الأديان، أي المعتقدات المنظَّمة، قطعًا لم تساعد من أي وجه على جلب النظام والسعادة العميقة المقيمة للإنسان. ولا اليوطوپيات، سواء الشيوعية أو تلك المجموعات الأقلية التي شكلت جماعات، أفلحت في جلب أي وضوح عميق دائم للإنسان. ويحتاج المرء إلى ثورة هائلة في العالم أجمع؛ فحصول تغيير عظيم أمر ضروري. ونحن لا نعني بذلك ثورة خارجية، بل ثورة داخلية على المستوى النفسي، أضحت بوضوح الأمل الأوحد، الخلاص الأوحد – إذا جاز لنا أن نستعمل هذه الكلمة – للإنسان.

Continue reading

الانتقام ليس من حقوق الإنسان! – جان-ماري مولر

الانتقام ليس حقًّا من حقوق الإنسان!

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

لن أعرِّف بالانتقام بوصفه إرادتي الحصولَ من المسيء إليَّ على تعويض عن الإساءة التي كبَّدني إياها، بل بوصفه رغبتي في تكبيده إساءةً بغرض أن أؤلمه وحسب [= نقمة]**. فأنا، حين أنتقم، ما من نية عندي سوى أن أردَّ rétorquer الإساءةَ التي تكبَّدتُها على صاحبها. الانتقام، إذن، محض ردِّ الفَعْلَة بفَعْلَة من جنسها ré-torsion. لكن الانتقام لا يعوِّض عن شيء أبدًا؛ إذ هو لا ينتوي التعويض، بل التقويض. ومنه فإن الانتقام ليس فعل دفاع شرعي عن النفس. فما يميِّزه هو أنني، حين أمارسه، لا يبدي عدوي أي خطورة فعلية عليَّ ولا يمارس ضدي أي تهديد مباشر؛ إنه حينذاك لا يعود يجابهني. لذا فإن الانتقام يحصل دومًا من الخلف – عن جبن. ومنه لا يجوز للانتقام أن يستفيد من تأييد العدالة: فهو لا يريد أن يردَّ لي حقوقي، ولا يقدر على ذلك أصلاً، بل يبتغي فقط إيلام مَن آلمني. لذا فإن عنف الانتقام ليس حقًّا أبدًا؛ إذ ليس ثمة أي “حق” في الانتقام. إنه دومًا غير مبرَّر، دومًا جائر، دومًا جريمة ضد الإنسانية. وبما أن الانتقام وليد الحقد والضغينة والصدود والكراهية فهو ليس نبيلاً أبدًا، بل خسيس دومًا.

Continue reading

المحبة – ديمتري أڤييرينوس

ترياق العنف الأوحد

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

لا يلطَّف الصراع بالكراهية؛ يتوقف الصراع بالمحبة – ذاك قانون أزلي.
البوذا گوتاما

 

هل يُعقَلُ أن يكون في محبةٍ ولطفٍ نبديهما حيال الآخَر شفاؤه من جراح العنف والقسوة فيه، لا بل إغناءٌ لنا وله على حدٍّ سواء؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا إذن نُشرَطُ ونُربَّى ولماذا، بدورنا، نربي أبناءنا ونُشرِطُهم على الردِّ “عينًا بعين وسنًّا بسن”؟!

نقسو ونَعْنَف حين يستبد بنا الجزع أو الكراهية؛ ونحن نجزع أو نكره لأسباب متنوعة. غير أن هناك اعتقادًا مغلوطًا سائدًا بيننا، مفاده أن علَّة الجزع والكراهية موجودة خارجنا. كثيرًا ما نحيا في ظروف لا نستحبها وليس في ميسورنا تغييرها؛ ومنه فإننا، حين نجزع أو نكره، نحمِّل “الآخر” مسؤولية مأزقنا: ننحو باللائمة على النظام، على السياسيين، على دين بعينه، على “العدو”؛ لا بل قد نذهب إلى تحميل الشمس مسؤوليةَ السطوع سطوعًا شديدًا والعصافير مسؤوليةَ الزقزقة زقزقةً صاخبة! وفي هذه الحالات جميعًا، لا نعترف بأن ما يتسبب في جزعنا هي الكراهية المعتملة في نفوسنا نحن.

Continue reading

القتل – ج. كريشنامورتي

القـتـل*

ج. كريشنامورتي 

ج. كريشنامورتي

 

كانت الطائرة مزدحمة، تطير على ارتفاع نيِّف وعشرين ألف قدم فوق الأطلسي، وسجادةٌ كثيفةٌ من السحب تحتها. السماء من فوق شديدة الزرقة، والشمس خلفنا، ونحن نطير باتجاه الغرب رأسًا. كان الأطفال قد لعبوا، متراكضين جيئةً وذهابًا على طول الممشى، والآن، بعد أن نفدت قواهم، كانوا نائمين. بعد الليلة الطويلة، كان جميع الآخرين أيقاظًا، يدخنون ويشربون. أمامنا رجل يحدِّث آخر عن مهنته، وعلى المقعد خلفنا امرأة تصف مشترياتها بصوت مسرور وتخمِّن مبلغ الرسم الذي يجب عليها دفعه. على ذلك الارتفاع، كان الطيران سلسًا، من غير مطبَّات، مع أن رياحًا عاتية تهبُّ تحتنا. كان جناحا الطائرة يلتمعان في ضياء الشمس الصافي، والمَراوح تدور دورانًا سلسًا، قاضمةً الهواء في سرعة خيالية؛ الريح كانت خلفنا، وسرعتنا تزيد على الثلاثمئة ميل في الساعة.

Continue reading

الذهن الديِّن والجمال – ج. كريشنامورتي

الذهن الديِّن والجمال*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

الاتصاف بذهن ديِّن يتطلب الجمال أو يقتضيه أولاً. والجمال ليس في شكل بعينه – في وجه جميل، في أسلوب عيش جميل، إلى آخره. فما هو الجمال؟ من دون ذاك ما من حقيقة ثمة، ما من محبة؛ من دون الجمال ما من حسٍّ خُلقي. فالجمال بحدِّ ذاته هو الفضيلة. سنتقصى الآن معًا ماهية الجمال. قد يصوغه المتكلم في كلمات، لكن عليك أن تتحمل مسؤولية تقصِّي ماهية الجمال بنفسك.

Continue reading