كل مقالات ديمتري أڤييرينوس

إكسير الحياة – ديمتري أڤييرينوس

إكسير الحياة

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

كلُّ نفس ذائقة الموت.
القرآن الكريم، آل عمران 185

كلُّ شيء فهو خاضع للتغيير. ومنه، فإن التفكر يشي للقارئ قطعًا بما يلي من
الاستنتاجات المنطقية التي مفادها أن كونًا شروطه غير دائمة أساسًا لا يمكن لشيء
فيه أن يمنح الديمومة. وإذن، فما من جوهر ممكن، حتى إذا اتفق له أن يُستخلَص
من أعماق اللانهاية، ما من
تركيبة عقاقير قابلة للتخيل، سواء كان مصدرها أرضنا
أو أي أرض أخرى، حتى إذا قام بتدبيرها أرفع العقول، ما من طريقة حياة ولا
من نهج، حتى بإرشادٍ من العزيمة الأشد والبراعة الأعظم، يمكن له أن ينتج الثبات.

ومنه، نرى أن التصور المثالي الشائع عن “الخلود” ليس مغلوطًا من أساسه فحسب،
بل هو من قبيل المحال الفيزيقي والميتافيزيقي. فالفكرة، أكان يغازلها ثيوصوفيون أم غير
ثيوصوفيين، مسيحيون أم أرواحيون، ماديون أم مثاليون، إنما هي وهم من بنات الخيال.
ج م، إكسير الحياة

 

هي آية من كتاب للحكيم شنكراتشاريا، مؤسِّس مذهب اللاثنوية (أدڤيتا advaita = التوحيد المطلق) في الهندوسية، مافتئ عمقُها وبساطتُها يلهمان أجيالاً عديدة، في الهند وغيرها، تنصُّ على الآتي:

[ما أروعها] صورةً: تحت شجرة البَنْيان، [يجلس] معلم شاب وتلامذة شيوخ؛ المعلم يعلِّم صامتًا والمريدون تتلاشى شكوكهم. (شنكرا، ستوترا دكشنامورتي، 3)

Continue reading

العلاقة مع الطبيعة – ج. كريشنامورتي

علاقة “صائبة” مع الطبيعة؟*

ج. كريشنامورتي

سؤال: ما معنى العلاقة الصائبة مع الطبيعة؟

كريشنامورتي: لا أدري إنْ كنت قد اكتشفت علاقتك مع الطبيعة. ليست هناك علاقة “صائبة”، هناك فقط فهم العلاقة. العلاقة الصائبة، شأنها شأن الفكر “الصائب”، تلمِّح إلى مجرد قبول صيغة جاهزة. الفكر الصائب والتفكير السليم أمران مختلفان: الفكر الصائب مجرد انصياع لما هو صواب، لما هو محترم، بينما التفكير السليم عبارة عن حركة؛ إنه وليد الفهم، والفهم لا ينفك يجري عليه تعديل، تغيير. بالمثل، هناك فرق بين العلاقة الصائبة وبين فهم علاقتنا مع الطبيعة. فما هي علاقتك مع الطبيعة؟ – الطبيعة بما هي الأنهار، الأشجار، الطيور الرشيقة الطيران، الأسماك في الماء، المعادن في جوف الأرض، الشلالات والبرك الضحلة. ما هي علاقتك بها؟ أغلبنا غير واعٍ لتلك العلاقة. ترانا لا ننظر أبدًا إلى شجرة، وإذا فعلنا، فبقصد استعمال تلك الشجرة، إما للجلوس في فيئها وإما لتقطيعها إلى ألواح. بعبارة أخرى، ننظر إلى الأشجار بقصد الانتفاع منها؛ لا ننظر أبدًا إلى شجرة من غير إقحام أنفسنا والاستفادة منها لمصلحتنا. ونحن نعامل الأرض ومواردها بالطريقة عينها. ليس هناك محبة للأرض، هناك تسخير للأرض وحسب. فلو أحبَّ المرءُ الأرضَ حقًّا لاقتصد في استعمال أشياء الأرض. أي أننا، لو كان لنا أن نفهم علاقتنا مع الأرض، لوجب علينا أن نكون شديدي الحرص في استعمالنا أشياء الأرض.

Continue reading

شجرة – ج. كريشنامورتي

شــجرة
من كريشنامورتي لنفسه
*

ج. كريشنامورتي

25 شباط [1983]

ثمة شجرة قرب النهر، مافتئنا نراقبها يومًا بعد يوم طوال عدة أسابيع والشمس على وشك الشروق. بينما تشرق الشمس بطيئةً فوق الأفق، فوق الأشجار، تصير هذه الشجرة بعينها، على حين غرة، ذهبية. الأوراقُ كلُّها ساطعةٌ حياةً، وبينما أنت تراقبها والساعات تمرُّ – تلك الشجرة التي لا يهمُّ اسمُها، فما يهمُّ هو تلك الشجرة الجميلة –، تبدو المراقبة وكأنها تنشر خاصية خارقة فوق الأرض كلها، فوق النهر. وبينما الشمس ترتفع أعلى قليلاً، تبدأ الأوراق بالرفرفة، بالرقص. وتبدو كل ساعة وكأنها تمنح تلك الشجرة صفة مختلفة. تراها قبل أن تشرق الشمس تتصف بمسحة داكنة، هادئةً، نائيةً، ممتلئةً عزَّة. ومع بدء النهار، فإن الأوراق، والضياءُ يحلُّ عليها، تتراقص وتمنحها ذاك الشعور العجيب الذي يشعر به المرء حيال الجمال العظيم. وعند انتصاف النهار، يكون فيؤها قد دكن، وبوسعك أن تجلس فيه متَّقيًا الشمس، غير شاعر بالوحشة أبدًا، مستأنسًا برفقة الشجرة. وأنت جالس هناك، تنعقد علاقة أمان عميق مستديم وحرية وحدها الأشجار بمستطاعها أن تعرفها.

Continue reading

ريشة في مهب الريح – ديمتري أڤييرينوس

ريشة في مهبِّ الريح

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

من المهد إلى اللحد، أطلب العلم والمعرفة والفهم. لكن علمي كله، معرفتي كلها، فهمي كله، ليس، في التحليل النهائي، غير طريقة ناجحة للعيش والارتزاق، وسيلة ناجحة للتكيف مع المجتمع، إنجازات ناجحة في أعين الناس. كل العلم الذي يملأ رأسي وأتشدق به، كل المتاح لي من المعرفة والفهم، قواي الفكرية والذهنية كلها، ذاكرتي برمَّتها التي لا يضيع منها أدنى تفصيل، قدرتي على الانتباه والرصد، … – هذه كلها غير ذات فائدة تُرتجى في اصطحابي إلى ذاتي الأعمق، ينبوع الفرح والسلام.

Continue reading

الاتزان الداخلي – ديمتري أڤييرينوس

الاتِّــزان الداخـلي

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

اليوگي المنضبط الذهن والمتَّحد بـالذات، محافظًا على اتِّزانه
دومًا، يصل إلى السلام، النرڤانا الأقصى، مقيمًا فيَّ.

حقًّا إن هذا اليوگا ليس لِمَن يفرط في الأكل أو يفرط في الصوم،
ولا هو، يا أرجونا، لِمَن يفرط في النوم أو يفرط في السهر.

أما المعتدل في الأكل وفي الراحة، المعتدل في تأدية الأعمال، المعتدل
في النوم وفي اليقظة، فنصيبه اليوگا الذي يخلِّص من كل شقاء.

عندما يرسخ ذهنُه المنضبط في الذات وحدها، متحررًا
من أغراض الرغبة كافة، إذ ذاك يقال عنه إنه متَّزن.

كما المصباح الذي في منأى [من الريح] لا تتراقص شعلته،
كذلك ذهن اليوگي المنضبط لا يحيد عن يوگا الذات.

بهگڤدگيتا، 6: 15-19

 

ونحن نطأ درب الحياة الروحية، ترانا في أمس الحاجة إلى الاتِّزان. ولعل الأصح من هذا قولنا إننا في حاجة إلى الاتِّزان التام؛ إذ وحدها حال اتِّزان داخلي مستتب تفسح في المجال لرؤية كل ما نواجه في الحياة رؤية موضوعية وتتيح لنا إمكان العمل السليم. تصرِّح الـبهگڤدگيتا – كتاب الحكمة الهندي الذي كثيرًا ما نقتبس منه في مقالاتنا لأنه منجم نفيس من مناجم الحياة الروحية –، على لسان كرشنا، بأن “الاتِّزان هو اليوگا”. فمن دون اتِّزان، يغيم الإدراك ويفتقر إلى الوضوح، فنصير نهبًا للبلبلة والقلق والحيرة، وتسوء أمور حياتنا من جراء ذلك، ولا نفهم لماذا! أسفار الأوپنشاد تتكلم هي الأخرى على الدرب “الشبيه بحدِّ الموسى”، والإنجيل يذكر “الباب الضيق”، وفاتحة القرآن الكريم تطلب الهداية إلى “الصراط المستقيم” – وكلها عبارات تشير إلى المفهوم ذاته.

Continue reading

لماذا "معابر"؟ – ديمتري أڤييرينوس

لماذا “معابر”؟*

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

إلى روح أكرم أنطاكي الذي أحبَّ هذا النص

 

لماذا مجلة جديدة؟ ولماذا مجلة جديدة على الإنترنت حصرًا؟ ألا يلبي الحشد الحالي من المطبوعات الصادرة دوريًّا بالعربية، من المحيط إلى الخليج، الحاجات الثقافية والفكرية للمثقف العربي؟ ألا تكفي الصحف والمجلات الحالية لـ”تنوير” القارئ العربي وإحاطته علمًا بكل ما يجري في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة في البلدان العربية وفي العالم، ولاستيعاب النتاج “الإبداعي” للأدباء والمفكرين الناطقين بالعربية؟ أي خطاب يمكن أن يكون لدى فريق معابر (على افتراض أن لديهم خطابًا ما أصلاً)، وبِمَ يختلف خطابهم عن الخطابات المطروحة حاليًّا في “سوق الفكر”؟

Continue reading

اعرف نفسك بنفسك – رونيه گينون

اعرف نفسك بنفسك
وهو بحث فلسفي صوفي*

رونيه گينون في القاهرة

رونيه گينون**

 

كثيرًا ما تقال هذه الجملة: “اعرف نفسك بنفسك”، وكثيرًا ما يخفى القصد منها؛ وبين هذا القول وذاك الغموض يعترضنا سؤالان: أولهما، ما هو المصدر الأصلي للجملة؟ وثانيهما، ما مدلولها الحقيقي وإلامَ ترمي من أغراض؟

قد يُخيَّل لبعض القراء، عند أول وهلة، أن السؤالين مفترقان، لا رابطة بينهما ولا صلة تجمعهما؛ لكنْ عند تدقيق النظر، والبحث والتمحيص، سيثبت لهؤلاء أن السؤالين مترابطان كل الترابط.

Continue reading