كل مقالات ديمتري أڤييرينوس

النظر إلى العالم – ديمتري أڤييرينوس

النظر إلى العالم

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

في عقيدة البوذيين، على اختلاف مذاهبهم، أن كلا التحقق بالـنيرڤانا nirvāna، مقام الحرية والغبطة، والدوران مع سمسارا samsāra، عجلة العبودية والشقاء، يتمَّان هنا، في اللحظة الراهنة، وأن المسألة برمَّتها يقرِّرها صوابُ النظر إلى العالم أو خطؤه. فحين ننظر إلى العالم نظرة صائبة – وهذا يعني أننا على علاقة راقية مع الموجودات قاطبة – يسود فرح لا يوصف وشعور حقيقي بالحرية؛ أما إذا لم نكن ننظر إليه نظرة صائبة، إذا لم نكن نرى فيه سوى الأوهام، فإن كل ما نحصد شقاء في شقاء. بعبارة أخرى، إذا نظرنا إلى العالم عبر شاشة الأنانية فإننا نختبر سمسارا؛ أما إذا تطهَّر الذهن من الأنانية وانجلى صافيًا فإننا نختبر النيرڤانا. العالم الخارجي يبقى في كلتا الحالين هو هو، لكن العالم الذي نختبره يكون في كلٍّ منهما على حدة مختلفًا.

Continue reading

مدخل إلى نظرية پروقلس في الخيال – فارس جلون

الدِّين والفلسفة في حياة پروقلس ومذهبه
مدخل إلى نظريَّته في الخيال*

فارس جلون 

فارس جلون**

 

تأثرت الفلسفة الأفلاطونية المُحدَثة بعد القرن الرابع بمذهب الفيلسوف يمبليخوس (يمليخا) الأفامي الذي أبدى من الاهتمام بالوثنية ما جعل الأفلاطونيين المُحدَثين بعده تُقاةً لا يتعبَّدون للآلهة فلسفيًّا وحسب، بل على غرار الديِّنين الروحانيين أيضًا، فاستعملوا الفلسفة لتأويل القَصص المأثور عن هوميروس والخبرات الروحية والرموز والشعائر السرَّانية لعلم الباطن. والغرض من هذا البحث هو تعليل انعطاف الأفلاطونية المُحدَثة المتأخرة نحو الدِّين بدوافع فلسفية.

قبل الدخول في صلب المواضيع العقلية، لا مناص لي من التذكير بضرورة التزام حياة الفيلسوف وأخلاقياته وبأهمية الدين “الوثني” في حياة پروقلس ومذهبه الفلسفي. فلقد بيَّن پيار هادو، في كتابه عن “الفلسفة القديمة”[1]، أن تلك الفلسفة لم تكتفِ بالخطاب الفلسفي المجرَّد، إنما أصرَّت كذلك على ضرورة انسجام سلوك الفيلسوف مع فكره، فوضع كلُّ مذهب فلسفي قواعد في المناقب والسلوك؛ إذ لم يفصل الفلاسفة آنذاك بين النظر theoria والعمل praxis. ومنه، كان پروقلس يؤالف في حياته بين النظر العقلي العميق وبين التعبد للآلهة.

Continue reading

المعرفة والمدرسة – ميخائيل نعيمه

المعرفة والمدرسة*

ميخائيل نعيمه

ميخائيل نعيمه**

 

لو سألتموني أن أحدِّد لكم بكلمة واحدة غاية الإنسان من حياته لقلت: المعرفة. ولو سألتموني ما الذي أعنيه بالمعرفة لأجبتكم: معرفة الإنسان لنفسه. فالإنسان بروحه عالَم تجمَّعتْ فيه كلُّ العوالم، من منظورة وغير منظورة. فهي لا وجودَ لها إلا فيه. وهو إنْ عرف ما فيه عرف كلَّ شيء. لذلك لا قيمة عندي لكلِّ جهوده إلا على قدر ما تُدْنيه من معرفة نفسه. ولا ثمن لما يلتقطه هنا وهناك من المعلومات الحسِّية إلا إذا ترجَمَها إلى معانٍ روحية.

لقد يستوعب الواحد منَّا كلَّ ما توصَّل إليه الناس من معلومات طبيعية أو فنية أو تاريخية أو سواها. لكنَّه ما لم يجد فيها فوانيس تنير لهُ زوايا نفسه المظلمة بقي بعيدًا عن المعرفة وكان مَثَله مَثَل رجل أضاع مفتاح بيته فراح يجمع مفاتيح. وإذ عاد بعد غربة طويلة لم يجد بين كلِّ ما جمعه ولا مفتاحًا يفتح به باب داره، فظلَّ خارجًا وظلَّ غريبًا، ولم يكن نصيبه من المفاتيح التي جمعها سوى التعب والشقاء والحسرة.

Continue reading

ضياء – ديمتري أڤييرينوس

ضياء

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

تعلَّمتُ مؤخرًا أن أتخفَّف ممَّا كان يبدو لي، للوهلة الأولى، جوهريًّا – لكنه، لدى إمعان النظر، مجرَّد شطحات ذهنية شاردة للتهرُّب مما يستصرخ انتباهي، لتفادي النظر إلى ما يتطلب الرعاية في نفسي –، لكي أجالس ألمي وأصغي إليه.

مَثل ذلك كمَثل الفارق بين شوقنا إلى رؤية ضياء الشمس في آخر النفق وبين إحجامنا عن السير وسط العتمة: نخطو بضع خطوات قُدُمًا، فما نلبث أن نتقهقر إلى الضوء الشاحب المملِّ في هذا الطرف من النفق. تبدو لنا الحياة الباهتة أكثر ألفة وأمانًا، فلا نجرؤ على اقتحام مغامرة الظلام، شاعرين أن الألم الممضَّ الذي نكابده لا يستحق العناء. أو لعلنا نركن إلى مفهوم زائف عن بهجة لا تخبو وسعادة لا يكدِّرها غمٌّ. ألعلَّ ثمة مكانًا كهذا على الأرض؟ لست أدري…

Continue reading

العمل الداخلي والعمل الخارجي – ديمتري أڤييرينوس

العمل الداخلي والعمل الخارجي

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

أسوأ الأزمنة أفضلها.
تشارلز ديكنز

مَن يرى اللاعمل في العمل والعمل في اللاعمل – ذاك المرء حكيم
بين البشر: إنه واحد في ذاته [يوگي] وقتما يؤدي العمل على تمامه.

مَن يتخلَّى تمامًا عن التعلق بثمار أعماله، راضيًا أبدًا، حرًّا من كلِّ اتكال، –
ذاك المرء، مع أنه منخرط بكلِّيته في العمل، لا يعمل في الحقيقة شيئًا.
بهگڤدگيتا، 4: 18، 20

 

عالم اليوم من الاختناق بالجهل والتعصب والحقد والعنف بحيث يبدو للناظر، للوهلة الأولى، أنه مُعاصر لـ”أسوأ الأزمنة”. غير أن الظلمة، حين تحْلَوْلِكُ، فهي فرصة مثلى يغتنمها طالبُ الحق للإصرار على إخلاصه للحقيقة – تلك الحقيقة التي مافتئت بمنزلة الشمس من حياتنا والتي يحتجب نورها، أو يبدو كأنه يحتجب، من جراء أوهامنا الأنانية، لكنه لا يخبو أو ينطفئ أبدًا. فالسحُب التي تحجب نور الشمس زائلة لا محالة، وسرعان ما يسطع هذا النور فيبدِّدها ويبث الحياة والحركة في الموجودات كافة. إن إخلاصنا للحقيقة يقوى بمعرفة الطبيعة الزائلة للظلمة والطبيعة الدائمة للحقيقة – معرفتنا الاختبارية المباشرة، الفعلية، لا الذهنية. لذا فإن أسفار الأوپنشاد تقول بأن الحق وحده ينتصر في النهاية، لا الوهم. جاء في الـبرهَدارنْيَكا أوپنشاد:

من الوهميِّ قُدني إلى الحقيقيِّ
من الظلمة قُدني إلى النور
من الموت قُدني إلى الخلود

Continue reading

گاندهي ملك للمستقبل – جان-ماري مولر

گاندهي مُلكٌ للمستقبل* 

جان-ماري مولر، مرمريتا

جان-ماري مولِّر**

 

في الثالث من كانون الثاني سنة 1948، حوالى الساعة الخامسة بعد الظهر، في حديقة المنزل الذي يقيم فيه گاندهي بنيودلهي، بينما كان متجهًا إلى المصلَّى، ضمَّ رجلٌ يديه أمامه علامةَ الاحترام، ثم أطلق عليه من مسدَّسه ثلاث رصاصات. خرَّ گاندهي صريعًا، وسرعان ما قضى نحبه.

واليوم، بعد انقضاء [أكثر من] ستين سنة على موت گاندهي، ما هي الصورة الباقية في أذهاننا عن ذاك الرجل الذي قاد شعبه إلى الاستقلال؟ ما هي فكرتنا عن اللاعنف الذي عاش في سبيله ومات؟ صحيح أن اسمه ووجهه صارا بنظرنا مألوفين، لكنْ ما أقل ما نعرف عن فكره وعمله! صحيح أننا – عمومًا – نكنُّ لگاندهي ذلك الإعجاب المبهم الذي نكنُّه عادةً للأعلام الذين رسمت الأسطورةُ حولهم هالةً من الحكمة، بيد أنه مافتئ متجاهَلاً إلى حدٍّ بعيد وسط شهرته نفسها! إذ لا يزال الموشور المشوِّه لإيديولوجيا العنف الضروري والشرعي والمشرِّف التي تسيطر على ثقافتنا يجعلنا نتصور اللاعنف بوصفه “مثالية” غير مؤثرة في الواقع – مثالية سخية ربما، لكنها غير مسؤولة.

Continue reading

أنت الإنسانية – ميخائيل نعيمه

أنت الإنسانيَّة*

ميخائيل نعيمه

ميخائيل نعيمه**

 

أنت الإنسانيَّة بكاملها.

أنت ألِفُها وياؤها. منك تتفجر ينابيعها، وإليك تجري، وفيك تصبُّ.

أنت حاكمها ومحكومها، وظالمها ومظلومها، وهادمها ومهدومها.

أنت واهبها وموهوبها، وناكبها ومنكوبها، وصالبها ومصلوبها.

أنت فقيرها وغنيُّها، وضعيفها وقويُّها، وظاهرها وخفيُّها.

أنت جلاَّدها ومجلودها، وناقدها ومنقودها، وحاسدها ومحسودها.

أنت رفيعها وخسيسها، وأثيمها وقدِّيسها، وملاكها وإبليسها.

Continue reading