كل مقالات ديمتري أڤييرينوس

صداقة – ألان

صـداقـة*

ألان

ألان**

 

في الصداقة أفراح رائعة. نفهم ذلك من غير عناء إذا ما لحظنا أن الفرح يسري. حَسْب حضوري أن يوفِّر لصديقي القليل من الفرح الحق حتى يجعلني مشهدُ فرحته هذه أشعر بدوري بفرحة. وبذا فإن كلَّ واحد يستردُّ الفرحَ الذي يبذله، وفي الوقت نفسه، يُطلَقُ سراحُ كنوز من الفرح، وكلاهما يقول للآخر: “كانت بي سعادة لم أكن أفعل بها شيئًا.”

Continue reading

أساس العلاقة – ج. كريشنامورتي

أساس العلاقة*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

يمكن للعلاقة أن توجد فقط حين يكون هناك نزول كلِّي عن الذات، عن الـ”أنا”. فحين تنعدم الأنا، إذ ذاك تكون على علاقة؛ وفي ذاك لا يوجد فصل من أي نوع. أغلب الظن أن المرء لم يشعر بذاك قط: النفي التام – لا عقليًّا، بل فعليًّا –، الزوال التام للأنا. ولعل ذلك ما يسعى إليه أغلبنا، جنسيًّا أو عبر التماهي مع شيء ما أعظم. لكن ذلك – أكرِّر –، أي سيرورة التماهي تلك مع شيء أعظم، هو نتاج الفكر؛ والفكر قديم: إنه – مثل الأنا، الأنيَّة، الإنِّي – نتيجة الأمس؛ إنه دومًا قديم. ومن ثَم يبرز السؤال: كيف يمكن التخلِّي تخلِّيًا تامًّا عن هذه السيرورة العازلة، هذه السيرورة المتمركزة على الأنا؟ كيف يمكن لهذا أن يتم؟ أتفهم السؤال؟ كيف يمكن لي – أنا الذي ينبع كلُّ نشاط من نشاطات حياتي اليومية من الخوف والكرب واليأس والأسى والبلبلة والأمل –، كيف يمكن للأنا التي تفصل نفسها عن الآخر – عبر التماهي مع الإله، مع إشراطها، مع مجتمعها، مع نشاطها الاجتماعي والخُلُقي، مع الدولة، إلى ما هنالك –، كيف يمكن لذلك أن يموت، أن يتلاشى، بحيث يستطيع الكائن الإنساني أن يكون على علاقة؟ إذ إننا، إذا لم نكن على علاقة، سنعيش عندئذٍ متحاربين بعضنا مع بعض. قد لا يقع قتلٌ لبعضنا بعضًا لأن ذلك، إلا في البلدان النائية، بات أخطر من أن نجرؤ عليه! فكيف يمكن لنا أن نحيا بحيث لا يكون هناك فصل، بحيث يمكن لنا أن نتعاون حقًّا؟

Continue reading

كيف يتغير المجتمع؟ – ج. كريشنامورتي

المراقبة وتغيير المجتمع
من كريشنامورتي لنفسه
*

ج. كريشنامورتي

 

6 أيار [1983]

وأنت جالس على الشاطئ تراقب الناس عابرين – ثنائيين اثنين أو ثلاثة وامرأة بمفردها – يبدو لك أن الطبيعة بأسرها، كلَّ شيء حواليك، من البحر ذي الزرقة الداكنة إلى تلك الجبال الصخرية الشامخة، يراقب هو الآخر. ترانا نراقب، لا ننتظر، لا نتوقع حدوث أي شيء، بل نراقب بلا نهاية. وفي تلك المراقبة تعلُّم، ليس مراكمة المعرفة عبر تعلُّم يكاد أن يكون آليًّا، إنما المراقبة عن كثب، لا سطحيًّا أبدًا، بل عمقيًّا، في خفة ولطف – إذ ذاك ينعدم المراقِب. عندما يوجد مراقِب فالمراقبة تكون محض الماضي يراقب؛ وتلك ليست مراقبة، بل تذكُّر وحسب، وهو شيء ميت نوعًا ما. المراقبة نابضة بالحياة، وكل لحظة تَخْلِية. تلك السرطانات الصغيرة وتلك النوارس وجميع تلك الطيور الطائرة قريبًا تراقب. إنها تراقب طلبًا للفريسة، للسمك، تراقب طلبًا لشيء تأكله؛ إنها تراقب هي الأخرى. يمرُّ أحدهم على مقربة منك ويتساءل عما تراقب. أنت لا تراقب شيئًا، وفي تلك اللاشيئية يوجد كل شيء.

Continue reading

اللاعنف: أربع نعم – وليد صليبي

اللاعنف: أربعُ نَعَم*

وليد صليبي

وليد صلَيْبي**

 

الوجه الآخر للحق ليس الباطل، بل العنف.
إريك ڤايل، منطق الفلسفة

فيما قد يُستعمَلُ كلٌّ من اللاعنف والعنف في مواجهة طغيان
الآخرين، وحده اللاعنف يستطيع مواجهة طغيان الذات.
وليد صليبي

 

اللاعنف لاءان: لا لعنف الذات، ولا لعنف الآخرين.

الـ”لا” الأولى – لا لعنف الذات – قد تبدو طوباوية إذا ما نظرنا إليها وكأنها تسعى في لَجْم عنفٍ مفترَض مغروس في صُلْب الطبيعة البشرية – عنفٍ حتميٍّ بالتالي؛ ومن هذا المنظار بعينه، تبدو هذه الـ”لا” مناقضةً لطبيعة الإنسان. لكن الأمر غير ذلك قطعًا: فهي “لا” واقعية، بل متجانسة حتى مع ما يُسمَّى “الغرائز”، وفقًا لما توصَّل إليه عدد كبير من كبار المحلِّلين النفسيين وعلماء سلوك الحيوان وعلماء التطور وعلماء الوراثة وعلماء الأعصاب إلخ.

Continue reading

المزاج الطيب – ألان

طيب المزاج*

ألان

ألان**

 

لو قُيِّضَ لي – عَرَضًا – أن أكتب رسالة في الأخلاق لوضعتُ المزاج الطيب في مقدمة الواجبات. لا أدري أيَّ دين شرس لقَّننا أن الحزن عظيم وجميل، وأن على الحكيم أن يتأمل الموت وهو يحفر قبره بيديه! لما كنت في العاشرة من عمري زرت دير التراپ الكبير[1]، فرأيت هذه القبور تُحفَر قليلاً كل يوم ومصلَّى الموتى حيث كان الأموات يبقون أسبوعًا ونيفًا ليعتبر بهم الأحياء. ولطالما ظلت الصور القاتمة ورائحة الجيف هذه تلاحقني. لكنهم كانوا قد غالوا في البرهان! ليس بمقدوري أن أحدِّد بالضبط – إذ إنني نسيت – في أي لحظة خرجت من الكثلكة وما هي الأسباب التي جعلتني أفعل. لكني منذ تلك اللحظة قلت لنفسي: “لا يُعقَل أن يكون ذاك هو سرُّ الحياة الحق!” كان كياني كله ينتفض على هؤلاء الرهبان البَكَّائين. وقد طلَّقت دينهم كمن يطلِّق داءً!

Continue reading

تنبؤات – ألان

تـنبُّـؤات*

ألان

ألان**

 

أعرف رجلاً عرض خطوط يده على عرَّاف، وذلك لكي يعرف قَدَره؛ وقد فعل ذلك على سبيل اللعب، على ما قال لي، ومن غير أن يصدِّقه. مع ذلك، لو كان سألني رأيي في الأمر لكنت صرفتُه عنه لأن تلك لعبة خطرة: فما أسهل أن لا نصدِّق مادام لم يُقَلْ شيءٌ بعدُ؛ ففي تلك اللحظة بالذات لا شيء يستدعي التصديق، ولعله ما من امرئ يصدِّق. عدم التصديق سهل بدايةً، لكنه سرعان ما يصير صعبًا؛ والعرَّافون يعرفون ذلك جيدًا. تراهم يقولون: “إذا لم تكن تصدِّق فما الذي تخشاه؟” – وهكذا ينصبون فخَّهم. أما أنا فأخشى أن أصدِّق؛ إذ كيف لي أن أعرف ما سيقول لي؟

Continue reading

أنت العالم – ج. كريشنامورتي

أنـت العـالـم*

ج. كريشنامورتي

 

سائل: كيف يمكن لفكرة “أنت العالم وأنت مسؤول كليًّا عن النوع البشري بأسره” أن تُبرَّر على أساس عقلاني، موضوعي، عاقل؟

كريشنامورتي: لست واثقًا من إمكان عَقْلَنَتها على أساس عاقل، موضوعي. لكننا سنتفحَّصها أولاً قبل أن نقرِّر عدم إمكان ذلك!

بادئ ذي بدء، الأرض التي نعيش عليها هي أرضنا – صحيح؟ إنها ليست الأرض البريطانية، ولا الأرض الفرنسية، أو الألمانية، الروسية، الهندية، الصينية، بل هي أرضنا التي نحيا عليها جميعًا. هذا واقع. لكن الفكر جزَّأها عرقيًّا، جغرافيًّا، ثقافيًّا، اقتصاديًّا. وتلك التجزئة تسبِّب الخراب في العالم – بكل وضوح. ذاك أمر لا سبيل إلى إنكاره؛ ذاك التصريح تصريح عقلاني، موضوعي، عاقل. إنها أرضنا التي نحيا عليها جميعًا، لكننا جزَّأناها – لأسباب أمنية، لأسباب وهمية مختلفة، وطنية، سياسية – الأمر الذي يسبِّب اندلاع الحرب لا محالة.

Continue reading