كل مقالات ديمتري أڤييرينوس

السأم – ألان

السَّــأم*

ألان

ألان**

 

حين لا يبقى عند الرجل من شيء يبنيه أو يهدمه، تراه يغدو شديد التعاسة. أما النساء – وأقصد المشغولات منهنَّ بأعمال المنزل وبالعناية بالأطفال – فأغلب الظن أنهنَّ لن يفهمن أبدًا تمام الفهم لماذا يذهب الرجال إلى المقهى ويلهون بالكوتشينة. العيش مع النفس والتأمل في النفس لا قيمة لهما.

في رواية ڤلهلم مايستر البديعة لگوته[1]، ورد ذكر “جمعية زاهدين” تحرِّم على أعضائها التفكير في المستقبل وفي الماضي. هذه القاعدة، بقدر ما يُستطاع التقيُّدُ بها، قاعدة حسنة جدًّا. ولكنْ، حتى يُستطاع التقيُّدُ بها، لا مناص للأيدي وللعيون من أن تكون مشغولة. فالإدراك والعمل هما العلاجان الحقيقيان. على العكس، إذا قعد المرء عن العمل سرعان ما يقع فريسة التخوف والتحسُّر. التفكير ضرب من اللهو ليس صحيًّا للغاية دومًا؛ فبوجه العموم، يدور المرء في مكانه من غير أن يتقدم. لذا كتب جان-جاك الكبير[2]: “امرؤ يتأمل حيوان منحط.”

Continue reading

الدعوة إلى اللاعنف للقاهرين أم للمقهورين؟ – جان-ماري مولر

هل يُدعى القاهرون بالأَوْلى إلى اللاعنف أم المقهورون؟

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

ثمة سؤال يتكرَّر طرحُه من حين لآخر، فيما يشبه الاستفزاز: “لماذا يُنصَح باللاعنف دومًا للمقهورين؟ ألا يجب، بالأَوْلى، أن يُدعى إليه القاهرون؟” بدايةً، هل من اللائق “النصح باللاعنف” للمقهورين؟ يجدر بالمرء، أولاً، ألا يقف على منبر الواعظ لأن الذي يحصي ضربات العصي ليس كمن يتلقَّاها. ومن بعدُ، هل من اللائق “دعوة القاهرين إلى اللاعنف”؟ وهل من الممكن أصلاً، في الواقع، تخيُّل قاهر لاعنفي؟ قطعًا، لو اتفق للقاهرين أن يهتدوا إلى اللاعنف لانعدم القهر إلى الأبد. لكن فرضية كهذه عبارة عن مثالية محضة ولا تصلح للإحاطة بالواقع في شيء.

Continue reading

أن نكون لاشيء – ج. كريشنامورتي

أن نكون لاشيء*

كريشنامورتي متكلمًا في كاليفورنيا في عيد ميلاده الخامس والثمانين

ج. كريشنامورتي

 

كُنْ متيقِّظًا لجمال كلِّ يوم، كلِّ صباح جديد، لأعجوبة العالم. إنه لَعالمٌ رائع، ونحن مابرحنا ندمِّره، في علاقة بعضنا مع بعضنا الآخر وفي علاقتنا بالطبيعة، بأشياء هذه الأرض الحية كافة.

*

هلا تقصَّينا ماهية مخٍّ صامت؟ تراك لا تتعلَّم، لا ترصد، إلا عبر صمت عظيم، لا وأنت تُحدِث الكثير من الضجيج. فحتى ترصد تلك التلال، وهذه الأشجار الجميلة، حتى ترصد أسرتك وأصدقاءك، لا بدَّ لك من فضاء ولا بدَّ من وجود صمت. أما إذا كنت تهذر، تثرثر، فلا فضاء لديك ولا صمت. ونحن بحاجة إلى فضاء، ليس فيزيائيًّا وحسب، بل نفسانيًّا أكثر بكثير. وذاك الفضاء ينتفي عندما نفكر في أنفسنا. الأمر شديد البساطة. إذ إنه حين يوجد فضاءٌ – فضاءٌ شاسعٌ نفسانيًّا – توجد حيوية عظيمة. ولكنْ عندما يحدُّ المرءُ ذاك الفضاء بذاته الصغيرة فإن تلك الطاقة الهائلة تُحتجَز كليًّا ضمن حدودها. ولهذا السبب فإن التأمل هو إنهاء الذاتية.

Continue reading

ما هي الحُرْمَة؟ – ج. كريشنامورتي

عن الموروث والقُدْسيَّة*

ج. كريشنامورتي 

ج. كريشنامورتي

 

[…] وأنتم تعلمون أن الماضي هو اللاوعي. أتدري ما هو اللاوعي؟ لا ترجعْ إلى فرويد أو يونگ أو سائر أولئك القوم، بل انظرْ إليه بنفسك واكتشفْ، ليس عبر المذهب التجريبي، بل ارصدْه فعليًّا. الماضي يكمن في موروثك، في الكتب التي قرأتَها، في ميراثك العِرْقي بصفتك هندوسيًّا، بوذيًّا، مسلمًا، مسيحيًّا، إلى آخر ما هنالك، وفي الثقافة التي عشتَ فيها، المعابد، المعتقدات التي انتقلت من جيل إلى جيل. وهذا كله يشكِّل الپروپاگاندا [الدعاية] التي نشأتم عليها وخضعتم لها. أنتم مستعبَدون لپروپاگاندا دامت خمسة آلاف سنة؛ والمسيحي مستعبَد لپروپاگاندا دامت ألفي سنة: هو يؤمن بيسوع المسيح وأنتم تؤمنون بكرشنا، أو أيًّا ما كان الذي تؤمنون به، مثلما يؤمن الشيوعي بشيء آخر. نحن حصيلة الپروپاگاندا. هل تدركون ما يعنيه هذا؟ – [مجرد] كلمات، تأثير الآخرين؛ ومن ثَمَّ ليس هناك من شيء أصيل بتاتًا. ولكي نكتشف أصل أي شيء، يجب أن يكون فينا نظام – نظام لا يمكن له أن يحضر إلا عندما تكفُّ الفوضى التي تعيث في النفس. إذ إننا جميعًا، على الأقل أولئك الذين يتَّصفون حتى بالقليل من الجدية والاهتمام والإخلاص، قد تساءلنا حتمًا إنْ كان ثمة ما هو حَرام أصلاً، ما هو قُدْسي[1]. الجواب، بالطبع، هو أن المعبد أو الكنيسة أو المسجد ليس مقدسًا، ليس حَرَمًا، ولا الصور التي فيه.

Continue reading

إيقاظ الوعي – گ.إ. گيورجييف

إيقاظ الوعي*

گ.إ. گيورجييف

گ.إ. گيورجييف**

 

كيما نفهم ماهية الفرق بين أحوال الوعي، لا بدَّ لنا من إنعام النظر في الحال الأولى، وهي حال النوم. هذه حال وعي ذاتية تمامًا. فالمرء فيها مستغرق في أحلامه – ولا يهمُّ إنْ كان يتذكرها أم لا. وحتى إذا وصل إلى النائم بعض الانطباعات الواقعية، من نحو الضجيج والأصوات والحرارة والبرودة وإحساسات جسمه، فهي لا تستثير فيه غير صور ذاتية خيالية ليس إلا. ثم يستيقظ المرء. للوهلة الأولى، تبدو هذه حال وعي جديدة ومختلفة بالكامل. إنه يستطيع أن يتحرك، أن يكلِّم غيره من الناس، يستطيع أن يرسم خططًا للمستقبل، يستطيع أن يبصر الخطر ويتجنَّبه، إلى آخر ما هنالك. لذا يبدو من المعقول أنه الآن في موقع أفضل منه حين كان نائمًا.

Continue reading

هرمن هسِّه، دميان – ديمتري أڤييرينوس

دِمْـيـان
هرمن هسِّه والتكامل الداخلي

 

ديمتري أڤييرينوس

 

ولد هِرْمَن هِسِّه سنة 1877 في بلدة كالڤ الألمانية على حواشي الغابة السوداء. عاش في شبابه صراعات نفسية مريرة باحثًا عن معنى للحياة بالأعم وعن معنى لحياته بالأخص. كتب في البداية ونشر مجموعة قصائد وخواطر ومقالات حول الموسيقى والأدب والفن، إلى أن نشر روايته الأولى پيتر كامِنْتسِنْد (1904)، مصورًا فيها شابًّا يرحل عن قريته الجبلية السويسرية ليصبح شاعرًا؛ ثم أتبعها برواية تحت العجلة (1906)، وهي حكاية تلميذ لم يكن يتواصل على الإطلاق مع معاصريه وأبناء جيله، فغادر مدرسته هاربًا عبر مدن مختلفة. تعكس هاتان الروايتان بصدق الصراع الذي كان يعتمل في أعماق الكاتب آنذاك.

Continue reading

حسن الظن – ألان

حسن الظن*

ألان

ألان**

 

“ما أصعب الرضا عن أحدهم!” من شأن مقولة لابرويار[1] الصارمة هذه أن تجعلنا سلفًا نلزم جانب الحيطة. إذ إن الحسَّ السليم يقضي بأن يتكيف كل واحد مع الشروط الواقعية للحياة في المجتمع، وليس من العدل في شيء إدانة الإنسان المتوسط؛ فذلك من قبيل جنون كاره البشر. وإذن، فمن غير أن أفتش عن الأسباب، تراني أتحاشى النظر إلى أشباهي وكأني مُشاهِدٌ دفع ثمن مكان جلوسه ويريد أن يرى من الآخرين ما يسرُّه. بل على العكس، إذ أسترجع في نفسي مألوف هذا الوجود الصعب، أجدني أتوقع سلفًا من كل شيء أسوأه؛ أفترض أن مُحادِثي يعاني معدة سقيمة أو صداعًا، أو ربما همومًا مالية أو خلافات بيتية. سماء مريبة هي سماء آذار، أقول لنفسي، يختلط فيها الرمادي والأزرق، ومضات الشمس وهبَّات الشمال اللاذعة؛ فأحتاط لنفسي بفرائي ومظلَّتي.

Continue reading