أرشيف التصنيف: مقالات

في العالم… لكن ليس من العالم – ديمتري أڤييرينوس

في العالم… لكنْ ليس من العالم

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

إني بلَّغتُهم كلمتك فأبغضهم العالم، لأنهم ليسوا من العالم كما أني لست
من العالم. لا أسألك أن تُخرِجَهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير.
إنجيل يوحنا 17: 14-15

 

في أكثر من لقاء مع أستاذنا ندره اليازجي مؤخرًا شدَّد – كعادته حين يتطرَّق إلى فلسفته الأخلاقية – على وجوب “تطبيق أنبل المبادئ في أدنى العوالم على سلَّم الوجود وأكثفها وأصعبها”، مكرِّرًا عبارة “أن نكون في العالم دون أن نكون منه“. فإذا قلبنا مدلول كلٍّ من حرفَي الجر في عبارة الأستاذ اليازجي العميقة نجد أنهم قلة بين الناس، على ما يبدو، مَن يفقهون معنى أن يكون الإنسان جزءًا لا يتجزأ من العالم بالمعنى الروحي للعبارة، لا بالمعنى “الانتمائي” الدنيوي السائد، في حين أن سواهم منخرطون في العالم، غارقون فيه، شأنهم شأن الغريق في مستنقع وحل، لا يعي ما يجري عليه.

Continue reading

في معنى الحياة والموت – ديمتري أڤييرينوس

حـيـاة… مــوت…

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

الحياة طاقة تتجلَّى في ما لا يُحصى عديدُه من الأشكال والبنى المتنوعة، وتختص بالقدرة على تَعْضِيَة organizing المادة (= منحها الخاصية العضوية). وحين تنسحب طاقة الحياة يتوقف التعضِّي organization وتأخذ البنية التي كانت تلك الطاقة تسري عبرها في التحلُّل – هذا ما يسمِّيه الناس الموت.

Continue reading

كانط: فيلسوف كرامة الإنسانية – جان-ماري مولر

عمانوئيل كانط
فيلسوف كرامة الإنسانية

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

في التوطئة التي عقدها عمانوئيل كانط على كتابه عقيدة الحق طرح الفيلسوف “مسألة معرفة إنْ كان من الممكن فعلاً وجودُ أكثر من فلسفة“. لا مناص، أولاً، من ملاحظة أنه قد وُجِدَتْ طُرُقٌ عديدةٌ للتفلسف، وأن هذه الطرق متنوعة وغالبًا متناقضة، وأنه كان لا بدَّ للأمر من أن يكون كذلك لأن كلَّ واحدة من هذه الطرق “ذات جدارة”. لكنه يؤكد أنه لمَّا كان لا يمكن أن يوجد “إلا عقل إنساني واحد فقط فليس من الممكن لفلسفات عديدة أن توجد”[1]. ذلك أن من قبيل التناقض بالفعل القبولَ بإمكان وجود فلسفتين صحيحتين تتناولان الموضوعات نفسها.

Continue reading

ينبوع الطاقة الروحية – ديمتري أڤييرينوس

ينبوع الطاقة الروحيَّة

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

مدرِّسة: ما شعورك وأنت ترقص؟

بيلي: لا أدري. أحسُّ نوعًا من الارتياح. أحسُّ أولاً بالتيبُّس نوعًا ما، لكني
حالما أنطلق… فكأني عندئذٍ أنسى كلَّ شيء. و… كأني أختفي. كأني أختفي.
كأني أحسُّ تغيرًا في جسمي كلِّه. ثم تسري هذه النار في جسمي. أكون
حاضرًا فقط. أطير كالعصفور. مثل الكهرباء… أجل، مثل الكهرباء.[1]

 

كيف لِمَن شاهد بيلي إليوت، فيلم ستيڤن دَلْدري الساحر، أن ينسى صورة ذلك الصبي الموهوب، الملهَم، ذي القدمين المجنَّحتين، يكاد أن يطير، محمولاً على طاقة هائلة تتدفق من داخله في يُسْر عجيب وتذلِّل على طريق تفتُّح موهبته، واحدًا بعد الآخر، كلَّ عراقيل وسطٍ اجتماعيٍّ متخلفٍ يعدُّ رقص الباليه “تخنثًا” والملاكمة “رجولة”!

Continue reading

ملحوظات في الخوف – ديمتري أڤييرينوس

ملحوظات في الخوف وعواقبه

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

أسير وسط الظلمة. المكان شبه معتم ومعزول تمامًا. أنا وحدي. تراودني انفعالات الكَرَب والريبة والتوجُّس. لا أجد تفسيرًا للخوف المعتمل فيَّ: لعلَّه غريزة البقاء، قلق الحياة، جزع الموت… أجفل لرؤية ظلِّي وألتفت لسماع صوت أنفاسي. ثم… أتسمَّر في مكاني هلعًا!

Continue reading

الحرية وإستراتيجيات التهرب – ديمتري أڤييرينوس

في الحريَّة وإستراتيجيَّات التهرُّب

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

على طالب الحرية أن يكون متأهبًا لمواجهة كلِّ ما تفاداه وهو يطلبها. فمحالٌ أن ينال طالب الحرية ما ينشُد قبل أن يواجه أولاً ما تحاشاه أو تهرَّب منه.

في حياة الإنسان، حتى إذا كانت هانئة في الظاهر، جروح عديدة، يعود بعضها إلى سني الطفولة المبكرة. لا بل إن طيف الجروح الإنسانية كلَّه حاضر في كلِّ إنسان، بشكل أو بآخر. بعضهم ينجح في تضميد جروحه النفسية، فيواصل ببساطة حياته اليومية؛ لكن من المشكوك فيه أن يفلح في شفاء هذه الجروح التي تظل تنزُّ، معكِّرةً عليه راحة باله. هذا الإخفاق بحدِّ ذاته أمر جيد لأنه يعني أن الجرح يتطلب العناية؛ إذ إنه أشبه بحصاة في الحذاء تظل تعرقل السير مادام السائر لم يهتم بإخراجها.

Continue reading

منزلة التفكير من الوجود – ديمتري أڤييرينوس

منزلة التفكير من الوجود

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

تكاد حياتنا برمَّتها تتمحور على التفكير، حتى إننا لا نطيق تخيُّلها من دونه. لكن التفكير، مهما قيل فيه، يبقى مجرَّد أداة، يُفترَض فيها أن تُستعمَل عند الطلب وأن تُنحَّى في غيابه؛ إنه أداة كأيِّ أداة أخرى، شأن المعول أو السكين – لا أكثر ولا أقل! قد يُظَنُّ أن كلامنا هذا منافٍ للمعقول، وذلك لأن التفكير يبدو، للوهلة الأولى، غير محدود؛ يبدو وكأنه يتصدَّى للمشكلات ويحلُّها؛ يبدو أنه يوسِّع إمكاناتنا توسيعًا غير محدود. أما في واقع الأمر فلسنا إلا مجرَّد بشر فانين، خاضعين للولادة والنمو والشيخوخة والموت. تضفي قوة تفكيرنا علينا فرادة الصفة البشرية، لكنها تجعلنا، في الآن نفسه، “فريدين” من حيث التعقيد، “فريدين” من حيث الخطر، وفي كثير من الأحيان، “فريدين” من حيث التدمير الذاتي!

Continue reading