أرشيف التصنيف: مقالات

الحرية واستئناس الرغبة – ديمتري أڤييرينوس

الحرية و”استئناس” الرغبة

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

من التصورات المغلوطة السائدة في زماننا، المولِّدة لمشكلات هائلةِ العواقب، فكرةُ أن الحرية تتوقف على الشروط الخارجية. يخالف هذا التصور منظور الحكمة القديمة، كما تمثلت في تعليم المعلم الناصري الذي أشار إلى أن معرفة الحقيقة هي التي تحرِّر (“تعرفون الحق، والحق يحرركم” – إنجيل يوحنا 8: 32)، وكذلك في حكمة الهند، الأقدم، التي شجعت جميع الناس – حتى غير المثقفين وغير المتعلِّمين منهم – على تقصِّي طبيعة كلٍّ من العبودية (بندها bandha) والانعتاق (مكشا moksha) وعلى الاستفسار عما إذا كان منبع الحرية يوجد في الذات أو خارج الذات. إن هذا الاكتشاف جوهري للبشرية، لكنه ليس مكسبًا من مكاسبها… لماذا؟

Continue reading

الانتقام ليس من حقوق الإنسان! – جان-ماري مولر

الانتقام ليس حقًّا من حقوق الإنسان!

جان-ماري مولر

جان-ماري مولِّر*

 

لن أعرِّف بالانتقام بوصفه إرادتي الحصولَ من المسيء إليَّ على تعويض عن الإساءة التي كبَّدني إياها، بل بوصفه رغبتي في تكبيده إساءةً بغرض أن أؤلمه وحسب [= نقمة]**. فأنا، حين أنتقم، ما من نية عندي سوى أن أردَّ rétorquer الإساءةَ التي تكبَّدتُها على صاحبها. الانتقام، إذن، محض ردِّ الفَعْلَة بفَعْلَة من جنسها ré-torsion. لكن الانتقام لا يعوِّض عن شيء أبدًا؛ إذ هو لا ينتوي التعويض، بل التقويض. ومنه فإن الانتقام ليس فعل دفاع شرعي عن النفس. فما يميِّزه هو أنني، حين أمارسه، لا يبدي عدوي أي خطورة فعلية عليَّ ولا يمارس ضدي أي تهديد مباشر؛ إنه حينذاك لا يعود يجابهني. لذا فإن الانتقام يحصل دومًا من الخلف – عن جبن. ومنه لا يجوز للانتقام أن يستفيد من تأييد العدالة: فهو لا يريد أن يردَّ لي حقوقي، ولا يقدر على ذلك أصلاً، بل يبتغي فقط إيلام مَن آلمني. لذا فإن عنف الانتقام ليس حقًّا أبدًا؛ إذ ليس ثمة أي “حق” في الانتقام. إنه دومًا غير مبرَّر، دومًا جائر، دومًا جريمة ضد الإنسانية. وبما أن الانتقام وليد الحقد والضغينة والصدود والكراهية فهو ليس نبيلاً أبدًا، بل خسيس دومًا.

Continue reading

المحبة – ديمتري أڤييرينوس

ترياق العنف الأوحد

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

لا يلطَّف الصراع بالكراهية؛ يتوقف الصراع بالمحبة – ذاك قانون أزلي.
البوذا گوتاما

 

هل يُعقَلُ أن يكون في محبةٍ ولطفٍ نبديهما حيال الآخَر شفاؤه من جراح العنف والقسوة فيه، لا بل إغناءٌ لنا وله على حدٍّ سواء؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا إذن نُشرَطُ ونُربَّى ولماذا، بدورنا، نربي أبناءنا ونُشرِطُهم على الردِّ “عينًا بعين وسنًّا بسن”؟!

نقسو ونَعْنَف حين يستبد بنا الجزع أو الكراهية؛ ونحن نجزع أو نكره لأسباب متنوعة. غير أن هناك اعتقادًا مغلوطًا سائدًا بيننا، مفاده أن علَّة الجزع والكراهية موجودة خارجنا. كثيرًا ما نحيا في ظروف لا نستحبها وليس في ميسورنا تغييرها؛ ومنه فإننا، حين نجزع أو نكره، نحمِّل “الآخر” مسؤولية مأزقنا: ننحو باللائمة على النظام، على السياسيين، على دين بعينه، على “العدو”؛ لا بل قد نذهب إلى تحميل الشمس مسؤوليةَ السطوع سطوعًا شديدًا والعصافير مسؤوليةَ الزقزقة زقزقةً صاخبة! وفي هذه الحالات جميعًا، لا نعترف بأن ما يتسبب في جزعنا هي الكراهية المعتملة في نفوسنا نحن.

Continue reading

إكسير الحياة – ديمتري أڤييرينوس

إكسير الحياة

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

كلُّ نفس ذائقة الموت.
القرآن الكريم، آل عمران 185

كلُّ شيء فهو خاضع للتغيير. ومنه، فإن التفكر يشي للقارئ قطعًا بما يلي من
الاستنتاجات المنطقية التي مفادها أن كونًا شروطه غير دائمة أساسًا لا يمكن لشيء
فيه أن يمنح الديمومة. وإذن، فما من جوهر ممكن، حتى إذا اتفق له أن يُستخلَص
من أعماق اللانهاية، ما من
تركيبة عقاقير قابلة للتخيل، سواء كان مصدرها أرضنا
أو أي أرض أخرى، حتى إذا قام بتدبيرها أرفع العقول، ما من طريقة حياة ولا
من نهج، حتى بإرشادٍ من العزيمة الأشد والبراعة الأعظم، يمكن له أن ينتج الثبات.

ومنه، نرى أن التصور المثالي الشائع عن “الخلود” ليس مغلوطًا من أساسه فحسب،
بل هو من قبيل المحال الفيزيقي والميتافيزيقي. فالفكرة، أكان يغازلها ثيوصوفيون أم غير
ثيوصوفيين، مسيحيون أم أرواحيون، ماديون أم مثاليون، إنما هي وهم من بنات الخيال.
ج م، إكسير الحياة

 

هي آية من كتاب للحكيم شنكراتشاريا، مؤسِّس مذهب اللاثنوية (أدڤيتا advaita = التوحيد المطلق) في الهندوسية، مافتئ عمقُها وبساطتُها يلهمان أجيالاً عديدة، في الهند وغيرها، تنصُّ على الآتي:

[ما أروعها] صورةً: تحت شجرة البَنْيان، [يجلس] معلم شاب وتلامذة شيوخ؛ المعلم يعلِّم صامتًا والمريدون تتلاشى شكوكهم. (شنكرا، ستوترا دكشنامورتي، 3)

Continue reading

الاتزان الداخلي – ديمتري أڤييرينوس

الاتِّــزان الداخـلي

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

اليوگي المنضبط الذهن والمتَّحد بـالذات، محافظًا على اتِّزانه
دومًا، يصل إلى السلام، النرڤانا الأقصى، مقيمًا فيَّ.

حقًّا إن هذا اليوگا ليس لِمَن يفرط في الأكل أو يفرط في الصوم،
ولا هو، يا أرجونا، لِمَن يفرط في النوم أو يفرط في السهر.

أما المعتدل في الأكل وفي الراحة، المعتدل في تأدية الأعمال، المعتدل
في النوم وفي اليقظة، فنصيبه اليوگا الذي يخلِّص من كل شقاء.

عندما يرسخ ذهنُه المنضبط في الذات وحدها، متحررًا
من أغراض الرغبة كافة، إذ ذاك يقال عنه إنه متَّزن.

كما المصباح الذي في منأى [من الريح] لا تتراقص شعلته،
كذلك ذهن اليوگي المنضبط لا يحيد عن يوگا الذات.

بهگڤدگيتا، 6: 15-19

 

ونحن نطأ درب الحياة الروحية، ترانا في أمس الحاجة إلى الاتِّزان. ولعل الأصح من هذا قولنا إننا في حاجة إلى الاتِّزان التام؛ إذ وحدها حال اتِّزان داخلي مستتب تفسح في المجال لرؤية كل ما نواجه في الحياة رؤية موضوعية وتتيح لنا إمكان العمل السليم. تصرِّح الـبهگڤدگيتا – كتاب الحكمة الهندي الذي كثيرًا ما نقتبس منه في مقالاتنا لأنه منجم نفيس من مناجم الحياة الروحية –، على لسان كرشنا، بأن “الاتِّزان هو اليوگا”. فمن دون اتِّزان، يغيم الإدراك ويفتقر إلى الوضوح، فنصير نهبًا للبلبلة والقلق والحيرة، وتسوء أمور حياتنا من جراء ذلك، ولا نفهم لماذا! أسفار الأوپنشاد تتكلم هي الأخرى على الدرب “الشبيه بحدِّ الموسى”، والإنجيل يذكر “الباب الضيق”، وفاتحة القرآن الكريم تطلب الهداية إلى “الصراط المستقيم” – وكلها عبارات تشير إلى المفهوم ذاته.

Continue reading

لماذا "معابر"؟ – ديمتري أڤييرينوس

لماذا “معابر”؟*

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

إلى روح أكرم أنطاكي الذي أحبَّ هذا النص

 

لماذا مجلة جديدة؟ ولماذا مجلة جديدة على الإنترنت حصرًا؟ ألا يلبي الحشد الحالي من المطبوعات الصادرة دوريًّا بالعربية، من المحيط إلى الخليج، الحاجات الثقافية والفكرية للمثقف العربي؟ ألا تكفي الصحف والمجلات الحالية لـ”تنوير” القارئ العربي وإحاطته علمًا بكل ما يجري في ميادين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة في البلدان العربية وفي العالم، ولاستيعاب النتاج “الإبداعي” للأدباء والمفكرين الناطقين بالعربية؟ أي خطاب يمكن أن يكون لدى فريق معابر (على افتراض أن لديهم خطابًا ما أصلاً)، وبِمَ يختلف خطابهم عن الخطابات المطروحة حاليًّا في “سوق الفكر”؟

Continue reading

اعرف نفسك بنفسك – رونيه گينون

اعرف نفسك بنفسك
وهو بحث فلسفي صوفي*

رونيه گينون في القاهرة

رونيه گينون**

 

كثيرًا ما تقال هذه الجملة: “اعرف نفسك بنفسك”، وكثيرًا ما يخفى القصد منها؛ وبين هذا القول وذاك الغموض يعترضنا سؤالان: أولهما، ما هو المصدر الأصلي للجملة؟ وثانيهما، ما مدلولها الحقيقي وإلامَ ترمي من أغراض؟

قد يُخيَّل لبعض القراء، عند أول وهلة، أن السؤالين مفترقان، لا رابطة بينهما ولا صلة تجمعهما؛ لكنْ عند تدقيق النظر، والبحث والتمحيص، سيثبت لهؤلاء أن السؤالين مترابطان كل الترابط.

Continue reading