ينبوع الطاقة الروحية – ديمتري أڤييرينوس

ينبوع الطاقة الروحيَّة

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

مدرِّسة: ما شعورك وأنت ترقص؟

بيلي: لا أدري. أحسُّ نوعًا من الارتياح. أحسُّ أولاً بالتيبُّس نوعًا ما، لكني
حالما أنطلق… فكأني عندئذٍ أنسى كلَّ شيء. و… كأني أختفي. كأني أختفي.
كأني أحسُّ تغيرًا في جسمي كلِّه. ثم تسري هذه النار في جسمي. أكون
حاضرًا فقط. أطير كالعصفور. مثل الكهرباء… أجل، مثل الكهرباء.[1]

 

كيف لِمَن شاهد بيلي إليوت، فيلم ستيڤن دَلْدري الساحر، أن ينسى صورة ذلك الصبي الموهوب، الملهَم، ذي القدمين المجنَّحتين، يكاد أن يطير، محمولاً على طاقة هائلة تتدفق من داخله في يُسْر عجيب وتذلِّل على طريق تفتُّح موهبته، واحدًا بعد الآخر، كلَّ عراقيل وسطٍ اجتماعيٍّ متخلفٍ يعدُّ رقص الباليه “تخنثًا” والملاكمة “رجولة”!

Continue reading

ملحوظات في الخوف – ديمتري أڤييرينوس

ملحوظات في الخوف وعواقبه

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

أسير وسط الظلمة. المكان شبه معتم ومعزول تمامًا. أنا وحدي. تراودني انفعالات الكَرَب والريبة والتوجُّس. لا أجد تفسيرًا للخوف المعتمل فيَّ: لعلَّه غريزة البقاء، قلق الحياة، جزع الموت… أجفل لرؤية ظلِّي وألتفت لسماع صوت أنفاسي. ثم… أتسمَّر في مكاني هلعًا!

Continue reading

الحرية وإستراتيجيات التهرب – ديمتري أڤييرينوس

في الحريَّة وإستراتيجيَّات التهرُّب

ديمتري أڤييرينوس

ديمتري أڤييرينوس

 

على طالب الحرية أن يكون متأهبًا لمواجهة كلِّ ما تفاداه وهو يطلبها. فمحالٌ أن ينال طالب الحرية ما ينشُد قبل أن يواجه أولاً ما تحاشاه أو تهرَّب منه.

في حياة الإنسان، حتى إذا كانت هانئة في الظاهر، جروح عديدة، يعود بعضها إلى سني الطفولة المبكرة. لا بل إن طيف الجروح الإنسانية كلَّه حاضر في كلِّ إنسان، بشكل أو بآخر. بعضهم ينجح في تضميد جروحه النفسية، فيواصل ببساطة حياته اليومية؛ لكن من المشكوك فيه أن يفلح في شفاء هذه الجروح التي تظل تنزُّ، معكِّرةً عليه راحة باله. هذا الإخفاق بحدِّ ذاته أمر جيد لأنه يعني أن الجرح يتطلب العناية؛ إذ إنه أشبه بحصاة في الحذاء تظل تعرقل السير مادام السائر لم يهتم بإخراجها.

Continue reading

منزلة التفكير من الوجود – ديمتري أڤييرينوس

منزلة التفكير من الوجود

ديمتري أڤييرينوس 

ديمتري أڤييرينوس

 

تكاد حياتنا برمَّتها تتمحور على التفكير، حتى إننا لا نطيق تخيُّلها من دونه. لكن التفكير، مهما قيل فيه، يبقى مجرَّد أداة، يُفترَض فيها أن تُستعمَل عند الطلب وأن تُنحَّى في غيابه؛ إنه أداة كأيِّ أداة أخرى، شأن المعول أو السكين – لا أكثر ولا أقل! قد يُظَنُّ أن كلامنا هذا منافٍ للمعقول، وذلك لأن التفكير يبدو، للوهلة الأولى، غير محدود؛ يبدو وكأنه يتصدَّى للمشكلات ويحلُّها؛ يبدو أنه يوسِّع إمكاناتنا توسيعًا غير محدود. أما في واقع الأمر فلسنا إلا مجرَّد بشر فانين، خاضعين للولادة والنمو والشيخوخة والموت. تضفي قوة تفكيرنا علينا فرادة الصفة البشرية، لكنها تجعلنا، في الآن نفسه، “فريدين” من حيث التعقيد، “فريدين” من حيث الخطر، وفي كثير من الأحيان، “فريدين” من حيث التدمير الذاتي!

Continue reading

المفكر هو الفكرة – ج. كريشنامورتي

المفكِّر هو الفكرة
من يوميات كريشنامورتي*

ج. كريشنامورتي

 

6 نيسان 1975

إنها ليست زرقة المتوسط الخارقة تلك؛ فللهادي زرقةٌ أثيريةٌ، خصوصًا حين يهبُّ نسيمٌ لطيفٌ من الغرب وأنت تقود شمالاً على طول الطريق الساحلي. ما أحنَّه، ما أبهره، ما أصفاه، وما أبهجه! وبين الحين والحين، ترى حيتانًا تنفث وهي في طريقها إلى الشمال، وقلما تحظى برؤية رؤوسها الضخمة وهي تلقي بنفسها خارج الماء. كان هناك سرب كامل منها ينفث؛ لا بدَّ أنها حيوانات قوية للغاية. ذاك اليوم، كان البحر أشبه بالبحيرة، ساكنًا وهادئًا هدوءًا تامًّا، من دون موجة واحدة؛ لم تكن هناك تلك الزرقة الصافية المتراقصة. كان البحر غافيًا وأنت تشاهده، ذاهلاً عن نفسك. كان البيت [حيث يقيم في ماليبو] يطلُّ على البحر. إنه بيت جميل، ذو حديقة هادئة ومرجة خضراء وأزهار؛ بيت واسع، تضيئه شمس كاليفورنيا. والأرانب كانت تحبُّه أيضًا، ومن عادتها أن تأتي في الصباح الباكر وفي وقت متأخر من المساء، فتلتهم أزهار البنفسج والقطيفة المزروعة حديثًا والنباتات المزهرة الصغيرة. ما كنت لتستطيع أن تبقيها خارجًا، على الرغم من وجود شبكة أسلاك تطوِّق الحديقة، كما أن قتلها جريمة. لكن قطة وبومة صومعة أحلَّتا النظامَ في الحديقة؛ راحت القطة السوداء تجول في الحديقة، بينما جثمت البومة طوال النهار بين أوراق الكينا الكثيفة. كان بوسعك أن تراها، لا تحرِّك ساكنًا، مغمضةً عينيها المدوَّرتين الكبيرتين. اختفت الأرانب وازدهرت الحديقة، والهادي الأزرق يجري بلا جهد.

Continue reading

وعيك هو وعي البشرية – ج. كريشنامورتي

وعيك هو وعي البشريَّة*

كريشنامورتي متكلمًا في كاليفورنيا في عيد ميلاده الخامس والثمانين

ج. كريشنامورتي

 

الأزمة ليست اقتصادية – الحرب، القنبلة، رجال السياسة، العلماء –، الأزمة فينا، الأزمة في وعينا. فإلى أن نفهم فهمًا عميقًا جدًّا طبيعة ذاك الوعي، فنشكِّك ونغوص عميقًا فيه ونكتشف بأنفسنا إنْ كان بالمستطاع إحداث طفرة كلِّية في ذاك الوعي، سيواصل العالم اختلاق المزيد من البؤس، المزيد من البلبلة، المزيد من الرعب. ومنه، ليست مسؤوليتنا نوعًا ما من العمل الغيري، السياسي أو الاقتصادي، بل الإحاطة بطبيعة كياننا: لماذا صرنا هكذا، نحن البشر الذين مافتئنا نعيش على هذه الأرض الجميلة البديعة.

Continue reading

التربية والطبيعة – ج. كريشنامورتي

التربية والطبيعة
من رسائل إلى المدارس*

ج. كريشنامورتي مع أطفال من مدرسة أوك گروڤ، أوهَيْ، كاليفورنيا

ج. كريشنامورتي

 

1 تشرين الثاني 1983

من المؤكد تمامًا أن المربِّين واعون بما يحدث فعليًّا في العالم. الناس منقسمون عرقيًّا، دينيًّا، سياسيًّا، اقتصاديًّا، وفي هذا الانقسام تفتيت؛ إنه يسبِّب فوضى هائلة في العالم: الحروب، وشتى أنواع التضليل السياسي، إلى آخر ما هنالك. هناك تفشٍّ للعنف، الإنسان ضد الإنسان – هذه هي الحال الفعلية للبلبلة في العالم، في المجتمع الذي نعيش فيه. هذا المجتمع يخلقه البشر أجمعون بثقافاتهم، بانقساماتهم اللغوية، بانفصالهم الإقليمي. وهذا كلُّه لا يولِّد البلبلة وحسب، بل الكراهية، كمٌّ هائل من العداء، والمزيد من التباينات اللغوية. هذا ما يحدث، ومسؤولية المربِّي عظيمة للغاية حقًّا.

Continue reading