في معرفة النفس*
ج. كريشنامورتي
حسبنا أن ننظر إلى العالم من حولنا حتى نرى البلبلة والبؤس والرغبات المتنازعة. وأغلب الناس المبالين والجدِّيين، – لا الناس الذين يلعبون لعبة التظاهُر، بل الناس المهتمُّون حقًّا، – إذ يدركون هذا العماء العالمي، سوف يرون بطبيعة الحال أهمية التفكر في مشكلة العمل. هناك العمل الجماهيري والعمل الفردي؛ و”العمل الجماهيري” صار مفهومًا مجردًا، مَهْربًا ملائمًا للفرد. فالفرد، إذ يظن أن هذا العماء، – هذا البؤس، هذه النكبة التي لا تنفك تتصاعد، – يمكن للعمل الجماهيري أن يحوِّله أو أن يُحِلَّ فيه النظام، تراه يصير غير مسؤول. “الجماهير” قطعًا كيان متخيَّل؛ فالجماهير هي أنت وأنا. ففقط حين لا نفهم – أنت وأنا – علاقة العمل الصحيح، ترانا نلوذ بالمفهوم المجرَّد المسمَّى “الجماهير” – وبذا نصير غير مسؤولين في عملنا. ومن أجل الإصلاح في العمل نبحث إما عن قائد وإما عن العمل المنظَّم الجماعي، وهو عمل “جماهيري” هو الآخر. وعندما نلوذ بقائد طلبًا للتوجيه في العمل، ترانا لا محالة نختار شخصًا نظن أنه سوف يعيننا على تجاوز مشكلاتنا نحن، بؤسنا نحن. لكن القائد نفسه – لأننا نختار قائدنا اعتبارًا من بلبلتنا – قائد مبلبل هو الآخر. فنحن لا نختار قائدًا إلا ويشبه أنفسنا؛ إذ لا نستطيع… لا نستطيع إلا أن نختار قائدًا مبلبلاً مثلنا؛ لذا فإن أمثال هؤلاء القادة، أمثال هؤلاء المرشدين والـگورو [المعلِّمين] الروحيين المزعومين، يقودوننا لا محالة إلى مزيد من البلبلة، إلى مزيد من البؤس. وبما أن ما نختار لا بدَّ وأن نختاره اعتبارًا من بلبلتنا فإننا حين نتبع قائدًا ترانا لا نتبع إلا إسقاطنا الذاتي المبلبل. لذا فإن مثل هذا العمل، مع أنه قد يثمر عن نتيجة فورية، يقود لا محالة إلى مزيد من النكبات.