معرفة النفس – ج. كريشنامورتي

في معرفة النفس*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

حسبنا أن ننظر إلى العالم من حولنا حتى نرى البلبلة والبؤس والرغبات المتنازعة. وأغلب الناس المبالين والجدِّيين، – لا الناس الذين يلعبون لعبة التظاهُر، بل الناس المهتمُّون حقًّا، – إذ يدركون هذا العماء العالمي، سوف يرون بطبيعة الحال أهمية التفكر في مشكلة العمل. هناك العمل الجماهيري والعمل الفردي؛ و”العمل الجماهيري” صار مفهومًا مجردًا، مَهْربًا ملائمًا للفرد. فالفرد، إذ يظن أن هذا العماء، – هذا البؤس، هذه النكبة التي لا تنفك تتصاعد، – يمكن للعمل الجماهيري أن يحوِّله أو أن يُحِلَّ فيه النظام، تراه يصير غير مسؤول. “الجماهير” قطعًا كيان متخيَّل؛ فالجماهير هي أنت وأنا. ففقط حين لا نفهم – أنت وأنا – علاقة العمل الصحيح، ترانا نلوذ بالمفهوم المجرَّد المسمَّى “الجماهير” – وبذا نصير غير مسؤولين في عملنا. ومن أجل الإصلاح في العمل نبحث إما عن قائد وإما عن العمل المنظَّم الجماعي، وهو عمل “جماهيري” هو الآخر. وعندما نلوذ بقائد طلبًا للتوجيه في العمل، ترانا لا محالة نختار شخصًا نظن أنه سوف يعيننا على تجاوز مشكلاتنا نحن، بؤسنا نحن. لكن القائد نفسه – لأننا نختار قائدنا اعتبارًا من بلبلتنا – قائد مبلبل هو الآخر. فنحن لا نختار قائدًا إلا ويشبه أنفسنا؛ إذ لا نستطيع… لا نستطيع إلا أن نختار قائدًا مبلبلاً مثلنا؛ لذا فإن أمثال هؤلاء القادة، أمثال هؤلاء المرشدين والـگورو [المعلِّمين] الروحيين المزعومين، يقودوننا لا محالة إلى مزيد من البلبلة، إلى مزيد من البؤس. وبما أن ما نختار لا بدَّ وأن نختاره اعتبارًا من بلبلتنا فإننا حين نتبع قائدًا ترانا لا نتبع إلا إسقاطنا الذاتي المبلبل. لذا فإن مثل هذا العمل، مع أنه قد يثمر عن نتيجة فورية، يقود لا محالة إلى مزيد من النكبات.

Continue reading

المرأة – ديمتري أڤييرينوس

المـرأة
رسالة مفتوحة إلى رجال هذا الزمان

 

ديمتري أڤييرينوس

 

الرجل يفقد الرجولة / المرأة لم تصبح امرأة
المرأة سلالةٌ مضت / الرجل نَسْلٌ يأتي
أدونيس، مفرد بصيغة الجمع

 

أيها السادة،

أستميحكم عذرًا إنْ طلبتُ منكم الخروج هنيهاتٍ من سباتكم في هذا الزمان الفريد الذي لا يشهد له التاريخ نظيرًا إلا كل أربعة وستين ألفًا وثمانمئة سنة – هذا الزمان الذي سيبقى ماثلاً في أعماق الذاكرة، لا يبرحها أبدًا. ولعلَّ كلامي النابع من معرفة تقصِّر عن “علمكم” موضوعيةً قد يبدو غريبًا على أذواقكم، لذا سأختصر فيه ما أمكن.

أجل، أيها السادة، بين عشقٍ لم يعد موجودًا وهيامٍ يكاد أن ينقرض أتساءل أيَّ لعبة تعسة يلعب الرجل مع المرأة، وأيَّ لهو منفيين يلهو في صحبتها؟!

لن أكلِّمكم على العشق – فهذا أمسى رابع المستحيلات! – بل حسبي أن أحدِّثكم عن الهيام، أو بالحري عن شرطه الأوحد المتاح، على ما يبدو. إنما عليَّ قبلئذٍ أن أنبِّهكم إلى أمر هام.

Continue reading

حياة من غير أذى – ج. كريشنامورتي

الحياة من غير أذى*

ج. كريشنامورتي

السائل: كيف يمكن للواحد منَّا أن يعيش على هذه الأرض من غير أذى أو تدمير لجمالها، من غير جلب الشقاء والموت على الآخرين؟

كريشنامورتي: هل سبق لك أن طرحت هذا السؤال يومًا؟ فعليًّا؟ ليس نظريًّا، بل فعليًّا – هل تراك طرحت ذاك السؤال، واجهتَه؟ لا تتهرَّبْ منه، لا تفسِّرْه بأن الشقاء ضروري، وما إلى ذلك، بل انظرْ إليه، جابِهْه. هل سبق لك أن طرحت مثل هذا السؤال يومًا؟ ليس جماهيريًّا، ليس للقيام بمظاهرة ضد سياسيٍّ بعينه يريد أن يدمِّر حديقة وطنية، أو هذا أو ذاك. طرحُك مثل هذا السؤال يعني أنك تحترق به، أنه شيء هائل الواقعية، لا مجرَّد سؤال تخيُّلي تصرف به وقت النهار. [المسألة هي] الحياة على هذه الأرض، بجمالها الخارق، وعدم تدميرها، [هي] إنهاء الأسى، وعدم قتل إنسان آخر، عدم قتل أيِّ شيء حي. هناك طائفة معيَّنة في الهند وسيلة النقل عندهم هي المشي؛ إنهم لا يستقلُّون قطارات، ولا طائرات، ولا عربات، ويضعون قناعًا لكيلا يقتلوا حشرة بالتنفس. بعض تلك الجماعة أتوا لرؤية المتكلِّم وساروا ثمانمئة ميل! وهم يأبون القتل.

Continue reading

وصال – ج. كريشنامورتي

وصـال*

ج. كريشنامورتي

ج. كريشنامورتي

 

إذا لم تكن في وصال مع أيِّ شيء فأنت إنسان ميت. عليك أن تكون في وصال مع النهر، مع العصافير، مع الأشجار، مع الضوء المسائي الخارق، مع ضوء الصباح على صفحة الماء؛ عليك أن تكون في وصال مع جارك، مع زوجتك، مع أولادك، مع زوجك. وأعني بالـوصال عدم تدخُّل الماضي، بحيث تنظر إلى كلِّ شيء نظرة نَضِرة، جديدة، – وتلك هي الطريقة الوحيدة للوصال مع شيء ما، بحيث تموت عن كلِّ شيء من الأمس. وهل هذا ممكن؟ على المرء أن يكتشفه، لا أن يسأل: “كيف لي أن أفعله؟” – فما أحمق هذا السؤال! الناس يسألون دومًا: “كيف لي أن أفعل هذا؟” وهذا يفضح ذهنيَّتهم: تراهم لم يفهموا، لكنهم يريدون أن يتوصلوا إلى نتيجة وحسب.

Continue reading

رسالة إلى گاندهي – ليڤ تولستوي

رسالة تولستوي الأخيرة إلى گاندهي[1]

ليڤ تولستوي (1828-1910)

 

كوتشيتي، 7 أيلول 1910

تلقَّيتُ نُسَخَ مجلتكم الرأي الهندي، فسُررتُ بالغ السرور بقراءة كلِّ ما يمتُّ فيها بصِلةٍ إلى اللاَّمقاومة[2]، وأودُّ أن أشاطرك الخواطر التي ألهمتْني إيَّاها هذه القراءة.

Continue reading

الطبيعة، الأكثرية والأقلية، المسؤولية – ج. كريشنامورتي

الطبيعة، الأكثرية والأقلية، المسؤولية*

ج. كريشنامورتي

 

سؤال: لماذا اتفق في ميزان الطبيعة أن يكون هناك دومًا موت وشقاء؟

كريشنامورتي: لماذا اتفق للإنسان أن يقتل خمسين مليون حوت؟ خمسين مليونًا – أتفهم؟! ومع ذلك، لا نزال نُعمِلُ في الأنواع كلِّها تقتيلاً: النمور المخططة آيلة إلى الانقراض، وكذلك الفهود الصيادة والنمور والفيلة، من أجل جلودها، من أجل أنيابها – تعرفون ذلك كلَّه. أليس الإنسان حيوانًا أخطر بكثير من سائر الحيوانات؟ وتراك تريد أن تعرف لماذا يوجد في الطبيعة موت وشقاء! ترى نمرًا يفترس بقرة أو غزالة: ذلك هو أسلوبهم الطبيعي في الحياة؛ لكننا ما إنْ نتدخل فيه حتى يصير الأمر وحشية حقيقية. لقد رأيتم صغار الفقمة وهي تُضرَب على رؤوسها، وحين يتعالى الاحتجاج على ذلك تقول النقابات: “نحن مضطرون إلى الارتزاق على ذاك النحو” – أنتم تعرفون هذا كلَّه.

Continue reading

مقاومة الفساد – ج. كريشنامورتي

الوقوف في وجه الفساد*

ج. كريشنامورتي

 

السائل: لقد تكلَّمتَ على الوقوف في وجه المجتمع الفاسد والفاسق. المزيد من التوضيح هامٌّ للغاية بنظري.

كريشنامورتي: هل نحن، قبل كلِّ شيء، متأكدان مما تتضمَّنه كلمة فساد؟ هناك الفساد الفيزيائي المتعلق بتلويث الهواء، في المدن، في البلدات الصناعية. ترانا ندمِّر البحار، نقتل ملايين الحيتان وصغار الفقمة. هناك التلوث المادي في العالم، وهناك الانفجار السكاني. ثم هنالك الفساد السياسي، الفساد الديني، إلى آخر ما هنالك من فساد. فعلى أيِّ عمق يوجد هذا الفساد في المخ البشري، في النشاط البشري؟ عندما نتكلم على “الفساد” علينا أن نكون متأكدين تمامًا مما نعني بتلك الكلمة، ومن على أيِّ مستوى نتكلم عليه.

Continue reading